U3F1ZWV6ZTUyMjMzMDUzNzk5NDI3X0ZyZWUzMjk1MzEyNjk3MzkzMA==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل

شبه العته الهستيرى (حالة جانسر)




شبه العته الهستيرى (حالة جانسر)



شبه العنه الهستيرى هى حالة تشبه المرض العقلى . أول من وصف هذه الحالة طبيب نفسى اسمه جانسر فى عام 1898 وسميت الحالة بأسمه .. وأحتار العلماء فى طبيعة هذه الحالة .. هل هى حالة نفسية أم عقلية ؟ .. هل هى هستيريا أم إكتئاب أم إنفصام ؟ بل وصل بهم الأمر إلى الإعتقاد بأنها إدعاء ! .. أى محاولة تمثيل المرض العقلى .. ولأنها أكثر إنتشاراً بين من يقضون حكماً بالسجن أو من ينتظرون حكماً بالأعدام فقد أطلق عليها ذهان السجن .. فالسجن معناه ألا مفر .. والأعدام معناه النهاية .. وذلك أمر قد لا يحتمله العقل الواعى .. ولهذا يحدث إنفصال .. إنفصال العقل عن الواقع .. والنكوص إلى مرحلة الطفولة حيث لا مسئوليات ولا صراعات .. حيث لا مستحيل وأن كل شئ ممكن .. حيث النجاة مؤكدة .. وهى حالة كما ذكرنا تشبه المرض العقلى .. فالمريض العقلى منفصل عن الواقع .. وأبرز أعراض تلك الحالة هى الإجابات التقريبية .. فمثلاً عندما يسأل الطبيب المريض بعض الأسئلة كأن يعطيه مسائل حسابية ويطلب منه أن يجيب عليها ، فستكون إجابته تقريبية كأن يجيب 2 + 4 = 7 ، 3 + 4 = 8 ، 5 + 5 = 10 ، 6 – 3 = 3 ، 5 – 2 = 2 ، ..
وعندما يسأله عن عدد أيام الأسبوع تكون إجابته أنها ثمانية ، وعن أصابع اليد اليمنى تكون أربعة أصابع .. وهكذا .. وهذا يعنى أن المريض فهم المقصود من السؤال ولكنه أجاب إجابة خاطئة تماماً كما يحدث مع الطفل ..
مثل هذه الأجابات عن هذه الأسئلة البسيطة حين تصدر من إنسان متعلم تبدو وكأنه يسخر أو أنه يحاول أن يدعى أنه مصاب بإضطراب فى عقله .. ولذلك كان الشك فيمن يصابون بهذه الحالة : هل هم مرضى حقيقيون أم أنهم يدعون المرض لكى يحققوا مكسباً من هذا الأدعاء ..
والذى يزيد من الشك أن هذا المريض قد يجيب على سؤال بأنه لا يعرف ..
ولكن هذه الحالة ليست إدعاءاً كاذباً كما لا تتم على مستوى العقل الواعى .. الحالة مصدرها العقل الباطن أو اللاشعور ..
الذى يؤكد ذلك العرض الثانى للحالة ، وهو تشوش الوعى .. فالمريض يبدو كالمذهول أو المأخوذ .. لا يستطيع أن يركز نظره على شئ محدد متجمد الوجه أو قد يظهر قلق مبهم على ملامحه .. غير مدرك للزمان أو المكان ويجد صعوبة فى الإنتباه إلى أى شئ حوله مع إضطراب واضح فى ذاكرته للأحداث البعيدة والأحداث الغريبة ..
وقد تضطرب حركته فلا يستطيع المشى وقد يتخشب مكانه كما يفقد الأحساس فلا يشعر بوخذ الأبرة أو بلسع النار ..
ولكن لماذا يصاب الأنسان بهذه الحالة ؟
كما أن لنا طاقة جسدية تستطيع أن تتحمل إلى حد معين .. بعدها تخور قوانا ونقع .. فإن لنا طاقة نفسية لا تستطيع أن تتحمل إلا إلى قدر معين ..
والجسد معاناته واضحة ، أى ظاهرة للعين المجردة .. عين الطبيب وغير الطبيب .. وكلنا تعودنا أن نعبر عن الآم جسدنا .. أن نقول (اه) فيسمعنا الأخرون ويشعرون بنا ، ويتعاطفون معنا ويهبون لمساعدتنا .. فلا عيب ولا حرج ..
ونتهم إنساناً بالظلم وغلظة القلب إذا ضغط على إنسان أخر وأرهقه جسدياً أو إذا لم يستمع إلى أنين جسده ..
كل هذه الحقوق التى منحناها للجسد أنكرناها على النفس .. أولاً لأنها شئ غير مرئى .. أى أننا لا ندركها بأعيننا .. وإنما نحتاج لأن ندركها بمشاعرنا .. إذا أردنا أن نسمع إلى أنين النفس البشرية فإننا نلجأ إلى آذاننا الداخلية .. آذان معلقة فى الوجدان .. وذلك يتطلب أن تكون لنا القدرة على أن نضع أنفسنا فى مكان هذا الإنسان حتى نتخيل كيف يشعر ، ثم نشعركما نشعر .. أى أن تتألم كما يتألم هو .. وذلك مالا يستطيعه أى إنسان .. ولأن كل إنسان له شخصية خاصة به .. له مشاعر وأفكار مختلفة ..له ظروف وإحتياجات مختلفة فإننا لا نستطيع أن نتصور قدر إحتماله .. قدر معاناته .. حجم الأنين الصادر عن نفسه .. ولهذا فإنسان غير مدرب وغير مؤهل لأن يستمع إلى أنين نفس إنسان أخر ..
ولأنها مسئولية .. فإننا نرفض أن نتحمل مسئولية الأحساس بالآمه .. ولأننا أحياناً نكون أنانيين ولا نبحث إلا عن مصلحتنا أو ما يرضينا وذلك قد يكون على حساب إنسان أخر فإننا لذلك نرفض الأم هذا الإنسان وقد نتمادى فى الضغط النفسى عليه .. فتزداد الآمه إلى حد لا يتحمله وهنا لا يكون أمامه إلا أحد ثلاثة سبل : إما أن يتخلص من حياته ، وإما أن يصاب بالجنون فيستريح لإنفصاله الإجبارى عن واقعه المؤلم .. وإما أن ينفصل بجزء من وعيه فيظل مرتبطاً بواقعنا بخيوط غير مرئية ولكنه يبدو وكأنه منفصل تماماً .. العقل الباطن هو الذى يقوم بعملية الإنفصال هذه .. إنه دفاع عن النفس وحماية لها من الجنون أو الإنتحار .. إنها إجازة من الواقع المؤلم .. راحة إجبارية يفرضها العقل الباطن .. فالأمر لم يعد محتملاً .. وحل المشكلة مستحيل .. والفرار منها غير ممكن .. إذن لا حل .. (لا حل ) هذه معناها اليأس .. والأسى .. والألم .. معناها أن الحياة نفسها لم تعد تُحتمل .. والناس لا ترحم .. لا أحد يريد أن يقترب منى .. لا أحد يريد أن يتفهم ظروفى .. لا أحد يريد أن يرفع عن كاهلى بعض الضغوط .. بل هم يضغطون أكثر وأكثر ..
لا حب ولا تعاطف .. لا تقدير ولا مشاركة .. على أن أتحمل كل شئ وحدى ولا أشكو .. ولكنى لا أستطيع تحمل المزيد ..فالموقف لا يُحتمل ولا أحد يُدرك أو يريد أن يشعر بذلك .. فلأهرب .. فيذهب وعيى . وبذلك لا أرى المشكلة ولا أعيشها .. فلأكون إنساناً أخر .. إنسان ليس له علاقة بهذه المشكلة .. وليس له علاقة بهؤلاء الناس الذين لا يشعرون ولا يقدرون .. لعلهم ينتهون .. فإذا مدوا يد المساعدة فلأعود إليهم مرة ثانية فأنا لم أنفصل بكل وعيى بل ببعض وعيى .. أنا ما زلت مبقية على بعض الروابط .. إذا سألونى سؤالاً سأجيب الإجابة الخاطئة .. فهمى للسؤال يعنى أننى أعيش واقعهم .. إجابتى الخطأ تعنى أننى منفصلة عنهم ..سيظل وعيى غائباً حتى تمتد يد إلى .. حتى يسمع أحد صرخاتى .. إنها كصرخات الغريق الذى لابد أن تمتد إليه يد وإلا غرق .. وأنا لا أريد أنا أغرق .. أنا أريد أن أعيش .. ولكن ساعدونى .. وبداية المساعدة تكون بأن تتفهموا ظروفى .. تتفهموا إحتياجاتى .. تتفهموا قدراتى .. وهذا معناه الحب .. وبذلك أستطيع أن أواجه مشكلتى .. أستطيع أن أحلها .. أستطيع أن أتخذ قراراً دون خوف ودون صراعات تتجاذبنى وتمزقنى ..
لا تتطلبون منى أن أثبت شجاعتى بأن أقفز من الدور العشرين .. لا تطلبوا منى أن أثبت قدراتى على الصبر بأن وعيى أحتمل النار على جسدى .. لا تطلبوا منى أن أؤكد سمو روحى بأن أمتنع عن الطعام والشراب حتى الموت ..
لا تطلبوا ممن حكم بشنقه أن يُبدى سعادة وفرحاً خالصاً .. لا تطلبوا ممن يغرق أن يظهر كبرياءه ولا يصرخ مستنقذاً ..
هل يمكن أن يصاب أى إنسان بهذه الحالة ..
هذا يتوقف على على عاملين : أولهما شخصية الإنسان أى قدرته على التحمل والمواجهة ، وثانيهما حجم ونوعية الضغوط التى يتعرض لها هذا الإنسان .. وهذه الحالة بالذات هى نموذج لمجموعة من الحالات الأخرى التى قد يتعرض لها الإنسان إذا واجهته ضغوط أو مشاكل لا يقوى على مواجهتها أو حلها أو تحملها ..
وقد يعبر الإنسان عن معاناته النفسية بأن يصاب بالصداع أو القئ أو بالألآم فى كل جسده أو بأن يفقد الأحساس أو بأن يفقد وعيه .. أو بأن يقرر – لا شعو رياً – بأن يغادر الناس والمكان ، ويهرب بعيداً تاركاً أيضاً ذاكرته .. المحور الأساسى فى كل هذه الحالات هو الهروب .. وذلك كما قلت يتوقف على نوعية الشخص الغير قادرة على التحمل والمواجهة ..
ولكن هناك ضغوطاً تفوق إحتمال أى إنسان .. ضغوطاً يكون مصدرها غالباً إنسان أخر .. إنساناً قد يكون من أقرب الناس .. إنساناً طاغية غلظ قلبه لا يهتز له وجدان وهو يضغط على عنق إنسان أخر .. إنسان أستبد به الغرور وغرته قوته فتكبر .. إنسان أنانى يسعى لتحقيق رغباته على حسابك وتجد نفسك مضطراً للحياة مع هذا الإنسان أو للتعامل المستمر معه .. فإن حياتك تكتسب طعماً مراً لا تستطيع أن تتخلص منه ويلازمك فى كل وقت .. يضيق صدرك حين تراه أمامك .. وتكره نفسك حين تضطر للحياة أو التعامل معه .. وتحاول أن تتمسك وأن تبتلع المرارة بل وتقهر نفسك على أن تعتاد هذا المذاق ..
ولكن مع مرور الوقت ومع إزدياد الضغط تفقد قدرتك على الإحتمال وخاصة حين لا تستطيع مواجهته أو معاملته بالمثل كما لا تستطيع الهرب منه ..
هنا تبدأ الأعراض فى الظهور .. تبدأ بالأعراض الجسدية ، الصداع والقئ والألآم والإحتياج للمهدئات من أجل النوم .. وفى الأزمات الحادة يحدث الأنفصال عن الواقع فى (صورة جانسر) أو شرود أو حالة من النسيان أو غيبوبة ..
مشكلة الإنسان أحياناً يكمن فى أنه يعجز عن إتخاذ القرار .. إما لأن القرار ليس بيده .. أو لأن ظروفاً تمنعه من إتخاذ القرار أو لأن بداخله خوفاً وضعفاً يعجزه عن إتخاذ القرارات الهامة والمصيرية فى حياته .. قرارات مثل الطلاق والزواج والهجرة وتغيير العمل ... الخ .. وبالرغم من أن إتخاذ القرار يحل مشكلة إلا أنه يتردد فى إتخاذه .. يظل فى حالة تردد دائمة .. يظل فى حالة تأرجح دائم .. يأخذ القرار مع نفسه ثم يعود عن قراره .. وذلك هو الصراع الذى يزيد من قلقه ويصعف من مقاومته ويجعله عرضة للنكسات النفسية فى أى من الصور التى سبق وصفها .. والنصيحة هنا لا تجدى ، فهو يعرف القرار السليم ولكن المشكلة تكمن فى عجزه عن إتخاذ هذا القرار ..
ولا نستطيع أن نزيد معاناته بأن نوجه له اللوم على ضعفه .. فربما لو كنا فى نفس موقفه وظروفه لعجزنا مثله عن إتخاذ القرار الذى نراه سليماً .. فالله وحده أعلم بخبايا نفس كل إنسان والتى يجهلها هو ذاته وذلك هو الأرجح ..
الاسمبريد إلكترونيرسالة