U3F1ZWV6ZTUyMjMzMDUzNzk5NDI3X0ZyZWUzMjk1MzEyNjk3MzkzMA==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل

هوس السرقة




هوس السرقة


تعرف هذه الحالة فى الطب النفسى بإسم جنون السرقة .. وهى ليست بجنون وأيضاً ليست سرقة .. ولكن لأنها حالة غير سوية فقد أطلق عليها بتجاوز مخل جنوناً .. ولأنها تمثل إعتداءاً على ممتلكات الأخرين فقد أطلق عليها بتجاوز مخل سرقة .. فهى ليست جنوناً لأن صاحبها لا يعانى من أى إضطراب فى التفكير أى لا تسيطر عليه الهذاءات أو الضلالات . كما لا يعانى من هلاوس .. بل إن شخصيته متماسكه وسلوكه الإجتماعى سوى .. ولا تبدو عليه أية أعراض مرضية ..
وهى ليست سرقة لأن السارق يخطط .. وينوى .. ويرغب فى الشئ المسروق .. ويستعمله ويستفيد منه بعد إتمام السرقة ..
الحالة هنا مختلفة .. فالمريض يعانى .. يعانى من فشله المتكرر فى مقاومة رغبة ملحة بالسرقة .. أى أن هناك رغبة ملحة تدفعه ليمد يده . ولكنه يقاوم ويقاوم .. ولكنه يفشل فى مقاومته .. أى أن هناك قوتين متعارضتين .. قوة تدفعه للسرقة .. وقوة أخرى تحاول منعه لأن السرقة حرام .. ولأنها مخلة بالشرف .. ولكن رغبة السرقة تنتصر .. ويفشل المريض فى مقاومتها فى كل مرة ..
اللص الحقيقى ليست لديه هذه القوة التى تقاوم رغبة السرقة .. ورغبة السرقة لا تأتى بشكل مفاجئ قهرى وملح ، ولكنه يخطط لها . وقد يشترك معه أخرون ..
ومريضنا لا يقصد الشئ المسروق لذاته .. فهو لا يسرق بقصد إقتناء هذا الشئ أو إستعماله والأستفادة منه .. أى لا يسرق للقيمة المادية للشئ المسروق .. فالأشياء المسروقة إما أن تُرمى أو تُرد إلى أصحابها أو يقوم بإخفائها للأبد .. أما اللص الحقيقى فهو يبغى الشئ المسروق للإستفادة المادية من ورائه ..
ومريضنا يملك المال لشراء هذا الشئ .. أى أنه لا يعانى من حرمانا مادياً . ويستطيع بسهولة أن يشترى هذا الشئ المسروق والذى قد لا يتجاوز ثمنه عدة جنيهات .. فهو لا يسرق أشياء ثمينة بالأف الجنيهات ولكنه قد يسرق عشرة جنيهات ، وهى لا تسرق فراء باهظ الثمن ولكنها تسرق بلوزة لا يتعدا ثمنها المائة جنيه .. وهذا يكشف لنا عن حقيقة هامة ، وهى أن عملية السرقة هى الهدف وليس الشئ المسروق . لأنه فى كل الأحوال يكون شيئاً تافهاً هو فى غنى عنه ، ويملك أكثر منه ويستطيع إقتناءه بالشراء بسهولة ..ت
كيف تتم عملية السرقة ؟
بلا أى تخطيط أو إعداد أو فكرة مسبقة .. وفجاءة تقع عيناها على الشئ .. فيتصاعد داخلها وبسرعة الإحساس بالتوتر .. قد يصاحب ذلك أعراض فسيولوجية كسرعة ضربات القلب والعرق وجفاف الحلق وتزوغ عيناها ، مع عدم القدرة على التركيز .. ولكنها تظل محتفظة بوعيها الكامل .. وتسيطر عليها رغبة قهرية فى سرقة هذا الشئ .. ولكنها تقاوم وتقاوم .. وفى النهاية تفشل مقاومتها .. فتتحرك بحذر نحو هذا الشئ .. وتنتهز الفرصة لتلتقطه بسرعة وتخفيه .. فى تلك اللحظة الحاسمة يزول عنها تماماً التوتر ، بل وتشعر بالإسترخاء والتلذذ والإحساس بالأرضاء .. تماماً كما يشعر العطشان بالأرتواء .. إنها لحظة إرتواء لنفس قلقة متوترة .. الأحساس بزوال التوتر هو نفس الإحساس بإطفاء العطش .. التخلص من التوتر هو الذى يحقق الشعور بالرضى واللذة .. بعدها لا تشعر بالذنب .. ولكن فى بعض الأحيان يكون هناك إحساس بالتعاسة والإكتئاب والشعور بالذنب .. وقد يكون هناك قلق وخوف من العواقب .. ثم تنسى تماماً الشئ الذى سرقته .. ولهذا تتخلص منه بسرعة .. قد تعيده إلى أصحابه .. وقد تقذف به فى الطريق .. وأحياناً تخفيه فى مكان مأمون دون أى رغبة فى استعماله أو الإحتياج له فى وقت لاحق ..
.. وتعاودها الحالة مرات ومرات .. ويصاحبها نفس الفشل .. وليس بالضرورة أن تسرق فى كل مرة من نفس المكان أو من نفس الأشخاص أو نفس الأشياء .. فهى لا تعرف متى ومن أين وممن ستسرق فى المرة القادمة ..
وتسأل نفسها بعد إتمام السرقة .. لماذا؟ لماذا فعلت ذلك ..؟ ولكنها لا تستطيع أن تجيب نفسها ,, ولا تستطيع أن تجيب المحقق .. إذا أكتشف أمرها .. ولا تستطيع أن تجيب الطبيب عن دوافعها الشعورية .. فالدوافع الحقيقية موجودة فى اللاشعور وهى لا تعرف عنها شيئاً .. فهى حائرة من أمر نفسها .. فهى تعى وتدرك أن الأنسان قد يسرق حين يكون محتاجاً لما يسرقه أو يسرق لطمعه وشراهته .. يسرق لإضطراب فى أخلاقه وسلوكه .. ولكنها ليست كذلك .. هل هى رغبة الحصول على أى شئ يملكه إنسان أخر ؟ وهل ينطوى ذلك على رغبة فى إيذاء الأخرين حين تأخذ ما يمتلكون ؟ بلا شك ليست هناك رغبة فى شئ محدد .. ولكنها الرغبة فى الفعل .. واللحظات الحاسمة هى تلك التى تلتقط فيها هذا الشئ .. والضحية قد تكون أعز صديقة أو شقيقة أو الوالدين .. وقد تتم السرقة فى مكان عام كالنادى أومكان العمل أو متجر كبير .. هى أكثر فى النساء .. وأكثر بعد سن الثلاثين .. غالباً ما تكون بين الأربعين والخمسين .. وتكثر أيضاً فى مرحلة المراهقة وتحت سن العشرين .. والغريب أنها تزداد قبل الدورة الشهرية أو أثنائها ..
هناك تفسيرات نفسية عديدة .. ولكن السمة الغالبة أنها إنسانة تعانى من الوحدة والشعور بأنها منتوذة .. والسمة الغالبة أيضاً أنها تعانى من قلق مزمن مع مشاعر مسيطرة بالتعاسة تصل فى بعض الحالات إلى إكتئاب فعلى ..فكل الأبحاث أثبتت بشكل قاطع أن نسبة كبيرة من هذه الحالات يعانى من حالة إكتئاب .. وذلك يفسر السرقات التى تحدث من مرضى الأكتئاب والهوس الدورى .. ويفسر أيضاً إرتفاع نسبة حدوثها قبل أو أثناء الدورة الشهرية .. ومن المعروف أن المرأة تعانى من إضطرابات إنفعالية أهمها الأكتئاب بسبب الدورة ..
وهناك إجماع بين المحللين النفسيين أن أصل المشكلة يرجع إلى مرحلة الطفولة حين يتعرض الطفل للأهمال وجرح المشاعر وإفتقاد الحب .. الحب الذى يحقق الأرضاء واللذة .. ولهذا يظل يعانى من الحرمان العاطفى .. الحرمان الذى تعرض له فى أهم مراحل نموه النفسى .. ولهذا فهو يسرق .. يسرق أى شئ لعل ذلك يحقق له حالة الإرضاء .. إنه يأخذ من الأخرين أشياء كبديل لحبهم المفقود .. إنها الرغبة فى إمتلاك أشياء للحصول على قوة يحارب بها حالة فقده المعنويات .. هذا الإنسان يفقد معنوياته بسرعه .. لأقل مؤثر خارجى تهبط معنوياته .. والمؤثر يأتى من خلال إضطراب علاقته بالأخرين ، يغوص قلبه إلى أسفل .. ينطبق صدره .. يشعر بالجوع العاطفى .. يشعر بالأحتياج إلى نظرة حنان أو كلمة ود .. يشعر بالأحتياج إلى الطمأنينة من خلال حب الأخرين وإهتمامهم .. بسرعة ترتفع معنوياته من إبتسامه على وجه أو كلمة طيبة .. وبسرعة أيضاً تنخفض المعنويات حين يفتقد هذه الأشياء ..
حين تتم عملية السرقة فأنه يأخذ شئاَ ويمتلكه .. والسرقة تتم تحقيقاً لرغبة قهرية .. أى أن هناك إحتياجاً ملحاً .. وبعد أن يأخذ هذا الشئ تطمئن نفسه وتهدأ .. يشعر بالأرضاء .. أنه بديل الإرضاء العاطفى .. وبما أن السرقة تمثل عدواناً على الأخرين فهذا يعنى أن رغبة الإمتلاك ليست خالصة لوحدها . وإنما يصاحبها رغبة عدوانية تجاه الأخرون .. فالأخرين هم الذين نبذوه وعزلوه وحرموه من الحب ..
إذن هى تعبير عن عدوان لا شعورى كامن .. عدوان سببه الألم والإحباط .. فمشكلة الإنسان هى إنسان أخر أو مجموعة من الناس كان لهم تأثير سلبى فى حياته وخاصة فى طفولته .. تركوا أثاراً لجروح على جدار نفسه .. فأصبح حساساً لأى مشكلة إنسانية .. أصبح حساساً لموقف الأخرين منه ومشاعرهم تجاهه .. لا يستطيع أن يصمد لغدر الأخرين أو تنكرهم له أو إتحادهم ضده .. فساد الهواء السارى بينه وبينهم يخنق صدره بسهولة ويهدد حياته .. إختفاء نبرات الود من أصواتهم تحرق أذنيه .. نظرات العداء والسخرية فى عيونهم تفقأ عينيه .. حين يولونه ظهورهم يشعر بالغربة والضياع .. حين ترفض أيديهم مصافحته تنهزم نفسه ويشعر بالضألة ..
إذن هى حالة من الحساسية ورثها فى طفولته نتيجة لإضطراب العلاقة مع الأب والأم .. وتعاود الحساسية الظهور حين يتعرض لمواقف إنسانية مشابهة يشعر فيها بالوحدة والعزلة .. فيداهمه الإكتئاب .. ولا سبيل للتخلص من هذا الإكتئاب إلا بعد أن يمد يده لشئ يمتلكه إنسان أخر .. إنها لحظة إثارة تحذر أحاسيسة القلقة .. لحظة إثارة يحتاج إليها ليوقظ أحاسيسه الراكده بفعل الأكتئاب .. لحظة إثارة لرفع معنويات متداعبة هبطت إلى القاع ..
الاسمبريد إلكترونيرسالة