U3F1ZWV6ZTUyMjMzMDUzNzk5NDI3X0ZyZWUzMjk1MzEyNjk3MzkzMA==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل

فقدان الشهية العصبى (بطولة مرضية)




فقدان الشهية العصبى (بطولة مرضية)


فقدان الشهية العصبى مرض نفسى يصيب الفتيات أكثر ، والحالة ليست فقداناً للشهية بقدر ما هى رفض للطعام .. فالفتاة المريضة بهذا المرض النفسى العضال تشعر بالآم الجوع ولكنها بإصرار قوى مثير للدهشة تمتنع تماماً عن الطعام إلا من كميات ضئيلة للغاية غالباً ما تكون فى صورة سوائل ..
وقد يكون وزنها معقولاً ، ولكنها ترى نفسها سمينة .. إذن المشكلة هنا فى إدراكها ومفهومها لصورة جسمها .. أى أن هناك خللاً فى صورتها عن نفسها .. صورة مستقرة فى المخ .. الإنسان يرى نفسه من خلال هذه الصورة المرسومة فى المخ .. فهكذا ترى هى نفسها .. ولهذا فهناك إختبار يُجرى فى مثل هذه الحالات يؤكد هذا المعنى .. وهو أن نطلب من المريض أن يرسم نفسه .. فإذا بالصورة التى يرسمها لنفسه تأتى أكبر من حجمه الحقيقى .. وهذا يوضح كيف يرى هو نفسه .. إنه يراها أكبر من حجمه الحقيقى .. وبالتالى فحسب تصوره هذا فإنه يرغب فى تخفيض وزنه ..
كيف نصف هذه الحالة ؟ هل هى مرض نفسى أم مرض عقلى ؟
إلى الأن لا يوجد إتفاق .. فبعض العلماء يرى أن فقدان الشهية العصبى هو عرضاً هستيرى .. والبعض يراه عرض الإكتئاب .. وفريق ثالث يعتقد أنها حالة عقلية تعالج مثلما يعالج مرض الفصام ..
بعض الأبحاث العضوية أكدت وجود خلل فى منطقة معينة فى المخ تُعرف باسم (الهيبوثلاموس) .. وبعض الباحثين وجدوا خللا فى الغدد التى تفرز الهرمونات .. ولكن يعتقد أن ذلك من أثر الإمتناع عن الطعام .. ومن العلامات المميزة والمصاحبة لهذه الحالة إنقطاع الدورة الشهرية وظهور الشعر فى أماكن غير معتادة فى الجسم..
ونسبة حدوث هذه الحالة فى الفتيات أكثر بكثير من حدوثها فى الذكور .. وهى عادة تظهر فى سن المراهقة أو بعدها بقليل .. ولكنها لا تصيب البالغين أو كبار السن ..
التحليل النفسى له وجهة نظر فى مثل هذه الحالات .. السمنة معناها الحمل .. والحمل ينشأ من علاقة جنسية .. إذن هذه الحالة تظهر نتيجة لخوف لا شعورى من العلاقة الجنسية ..
العلاقة الجنسية تشكل تهديداً فظيعاً بالألم والإصابه والتشويه .. كما أن هذه العلاقة تمثل الخطيئة والأثم .. إذن فهى علاقة محاطة بالصراعات .. ولأنها تؤدى إلى الحمل الذى يجعل الأنثى تبدو فى حجم متضخم وخاصة فى مناطق البطن .. فإن نفورها ينمو وينتقل إلى خوف من السمنة .. ومحاولاتها لتخفيض وزنها هو درء الخطر والشيهة عن نفسها .. إذا أصبحت نحيلة فهذا يؤكد أنها ليست حاملاً ، وأنها لم تتعرض لتلك العلاقة مع الأم بالذات . فالأم هى تحمل .. وهذا يؤكد حدوث نلك العلاقة الجنسية .. إذن الأم تذكرها بإستمرار بأن هذها يمكن أن يحدث لها ..فإذا دفعتها أمها لتناول الطعام فإن هذا يعنى أن أمها تريد أن تعرضها لنفس المصير ..
وبعض الحالات يصاحبها عرض غريب .. فبينما تمتنع المريضة عن الطعام فإنها تجبر أمها على تناول الطعام .. وخاصة الأصناف التى تسبب السمنة وكأنها بذلك تعاقب أمها ..
المثير للدهشة فى مثل هذه الحالات النادرة هو تلك القدرة الفائقة للمريضة فى الإمتناع عن الطعام شبه الكامل لمدة طويلة .. وهذا ما يقدر عليه أى أنسان سوى نفسياً وعقلياً .. ومعنى الإنسان السوى أنه يتمتع بالإرادة .. بالقدرة على إتخاذ موقف .. بالقدرة على السيطرة .. بالقدرة على المثايرة والإستمرارية .. إلى أى مدى يستطيع هذا الإنسان السوى أن يمتنع عن الطعام لمدة طويلة ؟ إن ذلك تراه فقط فى حالات الإضراب عن الطعام من أجل الدفاع عن مبدأ أو إحتجاج ضد ظلم وقع على الإنسان ولا يملك أى وسيلة للدفاع أو الإحتجاج .. إذن الإيمان بمبدأ أو فكرة ، والنضال من أجل الحق ، وضد الظلم ، يجعل إرادة الإنسان من حديد .. يجعله يطيق ما لا يحتمل من عذاب وإن هدد ذلك حياته .. إنها تلك الشحنة العاطفية التى تتوهج داخل الإنسان ، ليؤكد أنه أنسان صاحب مبدأ .. بذلك يؤكد أنه إنسان .. بذلك يعلو كثيراً فوق غرائزه المادية الملحة فى كل لحظة .. لا شئ يطقئ الغرائز أكثر من عاطفة قوية .. فالإيمان حالة وجدانية يتولد عنا طاقة تشكل إرادة الإنسان وتجعله قادراً على إستخدامها فى أقوى صورها وإلى حد السيطرة التامة على الطاقات البيولوجية .. إذن الغلبة للوجدان عند الإنسان المؤمن .. والهزيمة التامة تكون للغرائز .. هنا يسعد الإنسان بأروع إحساس وهو الإحساس بذاته والإحساس بفاعليته وانه صاحب موقف لا يلين ولا يحيد عنه ..
هل هذا يحدث أيضاً فى تلك الحالة المرضية ؟
لو تأملنا سلوك مريض فقدان الشهية العصبى نرى أنه أتخذ موقفاً .. موقفاً يتسم بالصلابة التامة .. لا يحيد ولا يتزحزح عنه .. إنه صراع من أجل السيطرة استطاع أن يحقق فيه إنتصاراً .. إنه جهد لا يلين من أجل النحافة .. وتحقق له ما أراد .. وبذلك تحقق له الأحساس بالذات والأحساس بالفاعلية .. وأنه استطاع أن يسيطر على أكثر الغرائز إلحاحاً وقوة ..
من أين له هذه القوة وهو مريض ؟
لعل ذلك يكشف عن مدى أهمية وتأثير صورة الجسم المختزنة فى المخ ، وعن مدى إرتباط هذه الصورة بوجدان الإنسان .. الطبيعى أن تكون هذه الصورة المرسومة بالداخل مطابقة للواقع .. أى تكون الصورة التى تراها عيون الناس هى نفس الصورة التى تراها أنت بالمرآه ، وتكون مطابقة للصورة المرسومة فى الداخل .. وبذلك يكون إدراكك للواقع سليماً .. أى أنك مرتبط بالواقع .. وهذا دليل على السلامة العقلية .. قد تكون غير سعيد بهذه الصورة كما فى حالة السمنة الزائدة أو النحافة الزائدة أو الطول الشديد أو القصر الشديد .. وقد تحاول أن تعدل فى شكل جسمك (إن أمكن ذلك) ولكن سلوكك سيكون داخل الإرتباط الطبيعى نظراً لإرتباطك بالواقع .. فإذا أردت تخفيض وزنك نظراً للسمنة الزائدة فإنك ستتوقف عند حد معين .. وستدرك أنت هذا الحد بشكله الحقيقى الذى يدركه الناس .. أما فى حالة فقدان الشهية العصبى فإن الأمر يكون مختلفاً .. فهناك عدم إدراك للواقع نظراً للخلل الذى أصاب الصورة الداخلية ، والتى تتضخم أكثر من الحقيقة .. إذن هناك إنفصال بين الواقع أو الحقيقة ، وبين صورة الجسم المرسومة فى المخ .. وذلك يؤدى إلى الإنفصال عن الواقع ..
فإذا وقف أمام المرآه ليرسم نفسه جاءت الصورة متضخمة أكبر من الحقيقة فلقد رسم الصورة الداخلية وليس الصورة الحقيقية على سطح المرآة .. وهنا تتولد الشحنة العاطفية الهائلة لتخلص صراعاً من أجل السيطرة على شهوة الطعام .. فيرفض الطعام .. أى أنه أخذ موقفاً .. والأصرار على الموقف يحتاج إلى إرادة .. إرادة التحمل ، وإرادة الأستمرار من أجل تحقيق الهدف ..
هذه معناه أن مريض فقدان الشهية العصبى يسعى من أجل الأحساس بالذات ، ومن أجل الأحساس بالفاعلية من خلال جهد لا يلين من أجل النحافة .. ويظل يذوى .. وقد يموت من شدة الضعف ، ولكنه لا يلين ولا يتراجع .. تماماً مثل الذى يدافع عن مبدأ أو يحتج بالإضطراب عن الطعام .. كلاهما له صورة ..كلاهما له هدف .. كلاهما تحرك وجدانه ليشكل إرادته .. كلاهما لا يثنيه حتى الموت عن تحقيق هدفه .. ولكن أحدهما بطل والأخر مريض .. أو لنطلق عليه المريض البطل .. ولنطلق على الحالة البطولة المرضية ..
الاسمبريد إلكترونيرسالة