U3F1ZWV6ZTUyMjMzMDUzNzk5NDI3X0ZyZWUzMjk1MzEyNjk3MzkzMA==
أبحث فى جوجل
أبحث فى جوجل

التراكمات السلبية فى الحياة الزوجية (أسبابها وعلاجها)




التراكمات السلبية فى الحياة الزوجية (أسبابها وعلاجها)



لكى نفهم خطورة التراكمات السلبية فى الحياة الزوجية ربما نحتاج لأن نستدعى أحداثا روعت الضمير الإنسانى وصدمته مثل الزوجات اللائى قتلن أزواجهن وقطعنهن قطعا ووضعنهن فى أكياس بلاستيك , وقد تكرر هذا الأمر فى فترة ما منذ عدة سنوات لدرجة أفزعت الرجال , والزوج الذى قتل بناته الست انتقاما من أمهم .
والآن نحاول أن نفهم لماذا يحدث التراكم السلبى فى العلاقة الزوجية , ولماذا يحتفظ أحد الأطراف بمشاعره المؤلمة لسنوات , وما الذى يمكن أن تحدثه هذه المشاعر فى العلاقة بين الطرفين وفى الحالة النفسية والجسدية لهما أو لأحدهما ؟
من الطبيعى أن يمر الزوجين بلحظات اتفاق ولحظات اختلاف , وأن ما تتركه لحظات الإختلاف أو حتى الخصام من أثر يجب أن يجد له مخرجا فى لحظة عتاب أو موقف محاسبة أو سماح لكى تتخلص النفس من هذه الذكرى ومن آثارها على اعتبار أننا جميعا بشر ومعرضون للخطأ , وبمعنى آخر هناك أزواج وزوجات يملكون آلية دائمة للتخلص من آثار الخلافات أو الخصومات حتى تظل نفوسهم غضة ونظيفة وقابلة لتلقى التراكمات الأجمل والأسعد , وأيضا هناك أزواج وزوجات لايستطيعون التخلص من مشاعرهم السلبية تجاه الطرف الآخر وتظل هذه المشاعر تتراكم وتتحول من الإحباط إلى الغضب ومن الغضب إلى الحنق ومن الحنق إلى الرغبة فى العدوان والإنتقام , وفى النهاية قد نصل فعلا إلى العدوان والإنتقام سواء كان لفظيا ( نقد مستمر , سخرية , شتائم ) أو جسديا ( دفع , ضرب , قتل ) . وفى ظروف معينة قد لايستطيع الطرف المحبط والغاضب إخراج عدوانه فيكبته لشهور أو سنوات وتكون النتيجة اضطرابا نفسيا لدى هذا الطرف المحبط الغاضب المكبوت , ويكون الإضطراب فى صورة أمراض نفسجسمية ( ارتفاع فى الضغط , أزمة قلبية , مرض السكرى , الروماتويد , الصداع المزمن , القولون العصبى , الحكة الجلدية العصبية , الصدفية ,...... إلخ ) أو أمراض نفسية (قلق أو اكتئاب ) . وعدم وجود آلية لإزالة التراكمات السلبية يجعل الحياة الزوجية أشبه بمدينة غاب عنها عمال النظافة وتعطلت فيها محطات الصرف الصحى , أو أشبه بسيارة انسدت فيها ماسورة العادم ( الشكمان ) .

أسباب التراكمات السلبية
وهناك ظروف وأحوال ترجح التراكم السلبى للمشاعر لدى أحد الأطراف أو كليهما نذكر منها :
1 – ضعف القدرات والمهارات : فقد وجد أن الأشخاص الأقل ذكاءا والأقل ثقافة والأقل فى المهارات الإجتماعية والأقل تدينا والأقل ثقة بالنفس والأكثر فقرا , والأشخاص الإعتماديين السلبيين , والأشخاص الأكثر احتياجا للتقدير والتعاطف , كل هؤلاء يكونون أكثر عرضة لتراكم المشاعر السلبية فى علاقاتهم الزوجية وحتى فى علاقاتهم الإجتماعية , لأنهم يكونون فى حاجة شدية للآخر ولتقديره ولرضاه وفى نفس الوقت ليست لديهم المهارات الكافية للحصول على ذلك فيقعون فى دائرة الإحباط التى تؤدى بهم إلى الغضب , وحين لا يجدون منصرفا للغضب ( أو هم لا يملكون مهارات تصريف الغضب ) فإنه يتحول إلى غضب مكتوم أو مخزون أو غير منصرف وهو ما نسميه " الحنق " , وهذا الحنق يمكن أن يتحول إلى رغبة فى العدوان على الآخر أو إلى عدوان فعلى , وقد يكبت كما ذكرنا ويترك آثارا نفسية وجسدية كثيرة . وبعبارة أخرى نقول بأن الطرف الضعيف أكثر قابلية لتراكم مشاعر الإحباط والقهر واليأس والغضب والعدوان من الطرف القوى المسيطر , ولذلك يكون انتقام هذا الطرف الأضعف مفاجئا ومدويا أحيانا لأنه حصيلة تراكم سنوات طويلة تحت السطح حتى إذا وصل الضغط الداخلى إلى مرحلة حرجة خرج العدوان كالبركان أو الطوفان , ولهذا نحذر دائما فى العلاقات الزوجية ( وفى العلاقات الإنسانية عموما ) من انتقام الضعيف نظرا لما لديه من مخزون غضب وعدوان متراكم .
2 – الإستبداد والطغيان : ويزيد من احتمالات التراكم السلبى أن يكون الشريك الآخر مستبدا طاغيا قاهرا كاتما لأى تعبير انفعالى من الطرف الآخر ومحاولا إلغائه وقمعه تحت أى دعوى أو مسمى , وهنا يفقد الطرف المقهور أى فرصة للتعبير عن مشاعره ويضطر اضطرارا إلى اختزانها .
3 – فقد الخيارات : وقد تلعب البيئة المحيطة دورا مهما فى زيادة التراكم السلبى حين يفقد الطرف المقهور والمكبوت خياراته ويجد نفسه فى طريق مسدود , فمثلا الزوجة التى يقهرها ويظلمها زوجها ولا تجد مخرجا منه فليس لها مكان آخر تذهب إليه أو أنها مضطرة للإستمرار معه من أجل الأولاد , أو تخشى مواجهة الحياة كمطلقة , ويزيد الطين بلة حين يستغل الطرف القاهر المستبد الظالم هذا الوضع فيبالغ فى ظلمه وإهانته لها .
4 – فشل الإستيعاب المعرفى : عدم قدرة أحد الأطراف أو كليهما على استيعاب الخبرات الحياتية المؤلمة فى المنظومة المعرفية , وهذا يجعل كل مشكلة حياتية عادية تتحول لأزمة وتأخذ أكبر من حجمها وتستغرق أكثر من الوقت المتوقع لها , وتحدث آثارا واسعة النطاق على الحياة الزوجية والحياة النفسية . ويدخل فى ذلك ما نسميه بالتقدير المعرفى للأحداث , فنحن لا نتأثر بالحدث كحدث مجرد وإنما نتأثر به حسب تقديرنا المعرفى له , فهناك شخصان يواجهان نفس المشكلة ولكن يتأثر كل شخص منهما بحسب تقديره لحجم المشكلة وخطورتها .
5 – ضعف القدرة على السماح :  وضعف هذه القدرة أو غيابها يجعل كل خطأ أو حدث مؤلم مضافا إلى مخزون الأخطاء والأحداث المؤلمة السابقة دون وجود فرصة لتطهير النفس من هذه التراكمات . ونظرا لأهمية هذا المفهوم فى الحياة الزوجية سنتحدث عنه بتفصيل بعد قليل.
6 – الإنفراد : بمعنى أنه لايوجد طرف ثالث بين الزوجين , وهنا ينفرد الطرف الأقوى بالطرف الضعيف فيذله ويهينه ويخنقه , ولا يجد الطرف الضعيف ملاذا غير كتمان غضبه وعدوانه , والطرف الثالث هنا قد يكون الله ( لدى الأزواج المتدينين ) أو تكون الأسرة أو أحد الأصدقاء , أو الأبناء , أو الجيران , أو هيئة أو مؤسسة حكومية أو غير حكومية , والطرف الثالث هنا يلطف من مشاعر العدوان ويضع قواعد للتعامل ويفصل فى الخصومات ويصفيها ويفتح مسارات للغفران والتسامح .
كيف نخفف من التراكمات السلبية
1 – العتاب : وهو يكفى لبعض الناس خاصة حين يكون الخطأ بسيطا ومحتملا والطرفين على درجة معقولة من النضج .
2 – التعبير عن المشاعر : وذلك بأن تتاح الفرصة لكل طرف للتعبير عن مشاعره بشكل مقبول , وذلك لكى تصل الرسالة للطرف الآخر فيتوقف أو يعتذر أو يصحح أو يخفف .
3 – وجود طرف ثالث : يسمع الشكوى ويفصل بين الطرفين ويعطى كل ذى حق حقه . وقد يكون هذا الطرف الثالث من الناس المحيطين , أو يكون هذا الطرف الثالث هو الله يلجأ إليه الطرف المظلوم بالشكوى وينتظر منه الفرج والرحمة أو القصاص من الطرف الظالم , والثقة فى عدل الله وقدرته على القصاص فى الدنيا والآخرة تعطى راحة للطرف المقهور وقدرة أكثر على الإستمرار .
4 – السماح :  وهو يعنى أن تنسى الإساءة ولا تعاقب عليها ولا يبقى بداخلك غضب بسببها .  وهو قدرة يمتلكها بعض الناس حيث يمكنهم نسيان الإساءات والتغاضى عنها واستمرار التعامل الإيجابى مع الطرف المسئ بناءا على اعتبارات انسانية أو دينية تسهل نسيان الإساءات والقدرة على فتح صفحات جديدة فى الحياة , وإغلاق ملفات وفتح ملفات حسب الظروف المحيطة وحسب التقدير الشخصى وحسب المعتقدات الدينية والإجتماعية  , وهو علاج للذاكرة المرضية ( الرغبة فى الإنتقام ) والتى تعنى التثبيت على الحدث وعدم القدرة على تجاوزه , والدوران فى دائرة مغلقة عقليا وانفعاليا   . وهناك أشياء لازمة لزيادة القدرة على السماح نذكر منها توقف الخبرات المؤلمة أو حدوثها عل فترات بحيث تعطى فرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة التوازن , واستعادة القدرة على التعامل مع العواقب والآثار , مع وجود شبكة للدعم والمساندة , وإمكانية استيعاب الخبرة المؤلمة فى المنظومة المعرفية , مع تصور إيجابى للكون وللحياة , وتصور واقعى للإنسان على أنه مخلوق يصيب ويخطئ وهو فى كل ذلك ليس شيطانا ولا ملاكا . وهناك ظروف وأحوال يفشل فيها التسامح أو تقل احتمالاته نذكر منها : استمرار التهديد واستمرار الضغوط , أو زيادة الضغوط عن القدرة والإحتمال , أو غياب شبكة المساعدة , أو عدم القدرة على استيعاب الأحداث المؤلمة فى المنظومة المعرفية , أو عدم القدرة على إعطاء معنى للإشياء المؤلمة , أو غياب مسارات التنفيس أو انسدادها , أو غياب مسارات لتحقيق الذات والإنجاز . والتسامح مفيد للشخص ذاته إذ يطهر نفسه من مشاعر الحقد والغضب والإنتقام ويحمى الجسم من ارتداد هذه المشاعر وإيذائها له . وهناك على المستوى الدينى ما يعلى من قيمة التسامح ويشجع عليه كقوله تعالى فى القرآن الكريم : " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " , وقوله : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " , وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظه وهو قادر على إنفاذه زوجه الله من أى الحور العين شاء " .
والمتسامحين غير الماسوشيين ( الذين يستعذبون الألم والعذاب ) , فالمتسامحين لا يرغبون فى الألم ولا يستعذبونه ولكن لديهم رؤية وفلسفة تدفعهم للتغاضى عن الزلات ونسيانها وتنظيف جهازهم النفسى منها , أما الماسوشيين فلديهم مشاعر عميقة بالذنب ويشعرون أن إيلامهم وقهرهم يطهرهم من ذنوبهم , أو أن لديهم اعتقاد بأن اللذة لابد وأن يسبقها ألم , وهذا الموقف الماسوشى أقرب ما يكون إلى المرض . 
كيف نحقق التراكمات الإيجابية
يمكننا تحقيق التراكمات الإيجابية بالطرق الأتية
1 – توفير جو من السكينة فى المنزل , بحيث يشعر الزوجان  بأنه أكثر الأماكن راحة وأمنا واستقرارا , فهم يشتاقون إليه حين ابتعادهم عنه ويشعرون فيه بالبساطة والتلقائية والراحة
2 – التعبير عن مشاعر المودة والحب بكل الوسائل واللغات الممكنة والمتاحة ( لفظية وغير لفظية ) , أى بالكلمة الحلوة والنظرة الحانية واللمسة الرقيقة والحضن الدافئ والهدية المعبرة فى المناسبات المختلفة , وعدم كتمان هذه المشاعر أو اعتبارها وصلت لمجرد وجودها داخل نفس الزوجين
3 – القدرة على المصارحة والعتاب وتصفية الخلافات فى جو من التقبل , مع السماح بالتعبير عن الإحباط أو الغضب فى حالة وجودهما
4– التسامح , والقدرة على تجاوز الزلات والأخطاء , وعلى فتح صفحات جديدة فى العلاقة الزوجية
5– الرضا بما يستطيع كل طرف أن يقدمه بحيث لا نكلفه مالا يطيق
6– الإهتمام بالعلاقة الحميمة وتهيئة أفضل الظروف لها بحيث تمنح الطرفين أقصى درجات السعادة الممكنة
7– تهيئة الظروف لارتباطات سارة من خلال قضاء لحظات سعيدة فى نزهات أو رحلات تصنع رصيدا من الذكريات الجميلة بين الزوجين
8– محاولة استعادة الذكريات الحلوة بين الزوجين فى جلسات الصفاء بينهما
9– تسجيل اللحظات الجميلة مثل حفل الخطوبة والزواج والرحلات والنزهات بوسائل التسجيل الممكنة (صورا فوتوغرافية أو فيديو أو غيرها ) مع محاولة استعراضها من وقت لآخر لتنشيط ذاكرة الأوقات السعيدة والذكريات الجميلة بين الزوجين , وهذا التسجيل يمثل أرشيف للسعادة يفتحه الزوجان من وقت لآخر. 
10 – استمتاع الزوجين " معا "  بلحظات تأمل للجمال أمام بحر  أو مكان طبيعى أو سماع شئ تلذ له الأذن
11 – اشتراك الزوجين فى بعض الأنشطة الروحية مثل الصلاة أو قراءة القرآن أو قيام الليل أو الحج أو العمرة أو أعمال الخير بأشكالها المختلفة .
منقول بتصرف من مجلة النفس المطمئنة
العدد 86 يناير 2007
الموضوع الأساسى : التراكمات فى الحياة الزوجية
كاتب الموضوع : د/ محمد المهدى : إستشارى الطب النفسى
رابط أعداد المجلة
الاسمبريد إلكترونيرسالة